كما هو معروف فقد أعلنت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة عام 2015 لتغطي الفترة من 2015 إلى 2030، وتتمثل في 17 هدفا تنمويا، ومنذ إعلانها تسابقت الدول في تحقيق مستهدفاتها، والمملكة ليست استثناء. وبحمد الله تمكنت المملكة من تحقيق كثير من هذه الأهداف، بل تجاوزتها بمراحل. وسيخصص هذا المقال لاستعراض تقرير الهيئة العامة للإحصاء حول مؤشرات أهداف التنمية المستدامة لعام 2020.
انطلاقا من كلمة خادم الحرمين الشريفين التي يقول فيها: “نحن جزء من هذا العالم، نعيش مشاكله والتحديات التي تواجهه ونشترك جميعا في هذه المسؤولية وسنسهم – بإذن الله – بفاعلية في وضع الحلول للكثير من قضايا العالم الملحة، ومن ذلك قضايا البيـئة وتعزيز التنمية المستدامة، وسنستمر في العمل على ذلك مع المنظمـات والمؤسسات الدولية والشركاء الدوليين”، وكذلك كلمة ولي العهد، ومنها: “حفاظا على الطابع البيئي الخاص والفريد للمنطقة، سيتم وضع قوانين وآليات تخص الاستدامة البيئية، حيث سيتم العمل على المحافظة على الموارد الطبيعية وفقا لأفضل الممارسات والمعايير المعمول بها عالميا”، فقد تبنت رؤية المملكة 2030 عديدا من البرامج والمبادرات والمشاريع التي تعزز الجهود لتحقيق التنمية المستدامة، ومنها برنامج الإسكان، وبرنامج جودة الحياة، وبرنامج التوازن المالي، وبرنامج الشخصية الوطنية، وبرنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية. وفي هذا السياق تمضي المملكة في تحقيق إنجازات ملحوظة في كثير من المجالات.
ورغم صعوبة استعراض محتوى التقرير المكون من 136 صفحة، سنكتفي بومضات تعكس بعض المؤشرات المهمة، ومنها: أن مؤشر التكافؤ النوعي في التعليم جاء رائعا، إذ لا توجد فجوات تذكر بين الجنسين “ذكورا وإناثا”، لكن من اللافت للنظر انخفاض نسبة إتمام الثانوية للذكور والإناث على حد سواء، إذ لا تتجاوز 63 في المائة لإجمالي النوعين، وتنخفض نسبة الذكور إلى 61 في المائة.
هناك تحسن ملحوظ في مهارات تقنية المعلومات والاتصالات، خاصة لفئة الشباب. ومن جانب آخر، يشير التقرير إلى أن نسبة المستفيدين من خدمات مياه الشرب الآمنة تصل إلى 99.7 في المائة، ونسبة المستفيدين من خدمات الصرف الصحي تصل إلى 100 في المائة وفق معايير الأمم المتحدة، ونسبة مياه الصرف المعالجة بطرق آمنة تصل إلى 57 في المائة. ومن الأمور الرائعة، أن نسبة النساء اللاتي تراوح أعمارهن بين 20 و24 عاما وتزوجن قبل بلوغ سن الـ 15 لا تتجاوز 1 في المائة. وفي السياق نفسه، أي في مجال تمكين المرأة، تصل نسبة المشاركة في مجلس الشورى إلى نحو 20 في المائة.
ويشير التقرير كذلك إلى أن الدخل لم يتغير كثيرا ما بين 2016 و2019، إذ ارتفع من 6225 إلى 6313 ريالا، وهذا لإجمالي العاملين. وتنخفض مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي حيث لا تتجاوز 2 في المائة، ومن اللافت للنظر انخفاض نسبة العمالة في قطاع الصناعة من نحو 16 في المائة إلى 10 في المائة.
ومن الإحصاءات المبهجة انخفاض معدل الوفيات الناتجة عن إصابات المرور من 25.58 في عام 2015 إلى 16.82 لكل 100 نسمة عام 2019، وهذا يعكس تطور جهود الإدارة العامة للمرور والاستفادة من التقنيات الحديثة من خلال نظام ساهر خصوصا.
وليس مستغربا أن هناك زيادة كبيرة في تدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية للمنح الدراسية، فعلى سبيل المثال، ارتفعت منحة المملكة لتغطية تكاليف برنامج دراسة الطلبة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان في الجامعة العربية المفتوحة من 693 ألفا إلى 937 ألف ريال.
ختاما من المؤسف أن هذا التقرير لا يواكب ما تحققه المملكة من قفزات تنموية وإنجازات كبيرة، فهو يعاني نقصا كبيرا في بعض المؤشرات المهمة وعدم دقة في بعضها الآخر، ولم يوضح المستويات الكمية المستهدفة لمقارنة إنجازات المملكة بالأهداف الأممية للتنمية المستدامة، ولعل هذا التقرير وأمثاله يقرع جرس الحاجة الملحة إلى تحسين دقة الإحصاءات وشموليتها ومعايير الاستفادة منها، وذلك لأن البيانات تعد أساسية لتقييم مستهدفات رؤية المملكة 2030 وكذلك خطط التنمية الخمسية، وقبل ذلك وضع الخطط المناسبة وإجراء الدراسات المفيدة للمجتمع السعودي.
المصدر : الاقتصادية