قطاع الهيدروجين .. وفرص التريليون دولار

خافيير دوبلاس

سعياً لتحقيق هدف اتفاقية باريس، المتمثل في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، فإن استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المتجددة أمر بالغ الأهمية لتحقيق هذه الغاية العالمية. إلا أن الكهرباء التي يتم توليدها باستخدام مصادر الطاقة المتجددة لن تكون كافية لتلبية احتياجات القطاعات التي يصعب تشغيلها كهربائياً مثل صناعة الصلب والأسمنت والطيران والشحن. الأمر الذي سيدفع لاعتماد مادة الهيدروجين منخفض الكربون ومشتقاته مثل الأمونيا والميثانول والكيروسين (ما يسمى ب «باور تو إكس»). حيث يجب أن يوفر هذا الوقود ما معدله 10% إلى 12% من مجموع استهلاك الطاقة العالمي لتحقيق هدف الحياد المناخي بحلول عام 2050.

يعد تطوير الهيدروجين اليوم إحدى أهم الصناعات العالمية، حيث يتم إنتاج أكثر من 90 مليون طن بشكل حصري تقريباً من مصادر الوقود الأحفوري (أي ما يسمى بالهيدروجين الرمادي) ويتم استهلاكه في عدد قليل من القطاعات الرئيسية مثل إنتاج الأمونيا والميثانول وتكريره. ويعتبر الهيدروجين منخفض الكربون (الهيدروجين الأخضر والأزرق) قطاعاً أكثر حداثة وتطوراً. وبحسب توقعات شركة بوسطن كونسلتينج جروب لمستوى الطلب المستقبلي على الوقود منخفض الكربون، سيشهد العالم ارتفاعاً في الطلب على الهيدروجين منخفض الكربون ومشتقاته بحلول عام 2050، وصولاً إلى حاجز 350 مليون طن سنوياً، بهدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 2 درجة مئوية، مواصلاً ارتفاعه إلى 540 مليون طن سنوياً لتحقيق الهدف 1.5 درجة مئوية. وسيتم في المرحلة الأولى اعتماد الهيدروجين منخفض الكربون ليحل محل الهيدروجين الرمادي المستخدم حالياً، ليتم فيما بعد اعتماده في مجالات إضافية محددة (مثل صناعة الصلب والطيران والشحن والتخزين طويل الأجل). ومن الممكن أن تبلغ قيمة سوق الهيدروجين منخفض الكربون حوالي 600 مليار دولار إلى 1.1 تريليون دولار بحلول عام 2050، وفقاً لتقديرات شركة بوسطن كونسلتينج جروب.

تشهد الساحة العالمية حالياً أكثر من 900 مشروع للهيدروجين منخفض الكربون، معظمها من فئة الهيدروجين الأخضر. وتستشرف منطقة الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، مستقبلاً طموحاً لتطوير واعتماد الهيدروجين منخفض الكربون على نطاق واسع، حيث تتطلع دولة الإمارات العربية المتحدة لإنتاج 100 جيجاواط من مصادر الطاقة المتجددة و1 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول عام 2030. كما أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخراً عن رؤيتها لتصبح أكبر مصدر للهيدروجين منخفض الكربون على الصعيد العالمي، مع استثمار 266 مليار دولار في خطة هادفة لتعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة. وتنظم سلطنة عُمان حالياً مزاداً مخصصاً لتعهيد مشاريع الهيدروجين الأخضر واسعة النطاق، رامية لتحقيق هدفها المتمثل في إنتاج 1 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول عام 2030.

ولا يقتصر واقع السباق للاستحواذ على سوق الهيدروجين العالمية على الشرق الأوسط وحده، حيث تتمتع العديد من الدول بالقدرة على إنتاج الهيدروجين منخفض الكربون على نطاق واسع، ومنها تشيلي وجنوب إفريقيا وناميبيا والمغرب وأستراليا. ومن المتوقع أن يكون لقانون خفض التضخم الأمريكي دور حيوي في التأثير في أنظمة الطاقة العالمية، حيث يوفر تمويل بقيمة 369 مليار دولار لشؤون المناخ والطاقة على مدى العقد المقبل، ويستند إلى تمويل تزيد قيمته عن 110 مليارات دولار نص عليها قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف الذي تم إقراره أواخر عام 2021. وسيساهم قانون خفض التضخم الأمريكي، بالإضافة إلى ائتمانه الضريبي على الإنتاج الذي يصل إلى 3 دولارات لكل كيلوجرام من الهيدروجين، في تعزيز القدرة التنافسية للهيدروجين الأمريكي، الأمر الذي يعتبر بمثابة خطوة جوهرية على مستوى القطاع.

على الرغم من تسارع نطاق مبادرات الهيدروجين منخفض الكربون على نحو غير مسبوق، إلا أن نسبة المشاريع قيد الإنشاء أو التي تم اتخاذ قرار الاستثمار النهائي بشأنها لا تتخطى حاجز خمسة في المئة فقط.

وعلى الرغم من توفر الإمكانات والفرص المستقبلية، إلا أن المسيرة التنموية لقطاع الهيدروجين تواجه مجموعة من التحديات الواجب تخطيها، ما يتطلب بالتالي ضرورة اتخاذ إجراءات مشتركة بالتنسيق بين الجهات المعنية للحد من مخاطر المشاريع والعمل على تمكين قطاع الهيدروجين منخفض الكربون. وبالتحديد من خلال:الجهات الحكومية والسلطات التنظيمية، والمقرضون والمطورون، والمنتجون، ومقدمو الخدمات التقنية، وشركات خدمات البنية التحتية.

وختاماً، سيلعب الوقود منخفض الكربون، بما في ذلك الهيدروجين منخفض الكربون ومشتقاته، دوراً أساسياً في القضاء على انبعاثات الكربون. إلا أن اعتماده سيقتصر على حالات استخدام محددة تكون الطاقة الكهربائية المتجددة فيها غير كافية. وسيشهد العقد القادم إنجازات بالغة الأهمية في تطوير قطاع الهيدروجين منخفض الكربون.

Twitter
Facebook

المزيد

Ezz-780-1
kuwit-steel3
mih-1