لاكشمي ميتال – رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة أرسيلور ميتال
قبل سبع سنوات، دعوت إلى فرض ضريبة على الحدود الكربونية، لضمان تكافؤ الفرص بين الشركات الصناعية الأوروبية التي تتحمل أعباء إزالة الكربون، وبين الواردات الأرخص التي لا تخضع لهذه الالتزامات. وقد يبدو من الطبيعي أن أشعر بالرضا إزاء تبنّي الاتحاد الأوروبي آلية تعديل حدود الكربون، والتي تمر حالياً بمرحلة الاختبار، قبل تطبيقها الكامل في يناير 2026.
لكنني لست هنا لأعلن عن نجاح، بل لأدق ناقوس الخطر، فآلية تعديل حدود الكربون بصيغتها الحالية، تعاني من قصور واضح، وإن لم تدخل عليها تحسينات جذرية، ستخفق أوروبا في تحقيق هدفها المتمثل في الجمع بين إزالة الكربون والنهوض بالصناعة.
والواقع المؤلم هو أن صناعة الصلب الأوروبية تواجه تحديات غير مسبوقة، إذ تقع تحت وطأة تكاليف إزالة الكربون من جهة، والتداعيات الناتجة عن فائض الإنتاج العالمي، خاصة في الصين، من جهة أخرى، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير للواردات.
ومنذ الأزمة المالية العالمية، انخفض إنتاج الصلب في أوروبا بمعدل الثلث، وتراجعت الوظائف بنسبة 25 %. كما أن الطلب لم يستعد عافيته إلى ما كان عليه قبل جائحة «كورونا»، وهو ما ساهم، مع ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الواردات، في تراجع هامش الربحية إلى مستويات لم تشهدها الصناعة منذ زمن الجائحة.
وتأتي هذه التداعيات السلبية على الأرباح، في وقتٍ يُنتظر فيه من قطاع الصناعة اتخاذ قرارات نهائية بشأن مشاريع إزالة الكربون، والتي تتطلب استثمارات بمليارات اليوروهات، في تقنيات مثل الهيدروجين الأخضر، التي لا تزال غير مجدية اقتصادياً حتى الآن.
قد يرى البعض أن هذا الوضع يقدم نموذجاً للتجارة الحرة، لكنني أرى أن التجارة هنا قد تكون «حرة»، لكنها في الوقت نفسه بعيدة كل البعد عن الإنصاف. ويبرز هذا التحدي بشكل أوضح، عندما تكون أوروبا السوق العالمية الوحيدة التي تتحمل تكلفة الكربون.
وعندما قررت أوروبا قيادة العالم في تنفيذ سياسات المناخ – وهو هدف طموح وجدير بالثناء – تم بناء التوقعات على أن الدول الأخرى ستتبعها. لكن غياب هذه الخطوة أدى إلى تراجع تنافسية أوروبا في القطاعات الصناعية التي تعتمد على التجارة الدولية، مثل صناعة الصلب.
إن الوضع الحالي يضر بأوروبا والكوكب على حد سواء، فتراجع صناعة الصلب لا ينسجم مع الأولويات الاستراتيجية للقارة العجوز، كما حددتها «الاتفاقية الصناعية النظيفة» في يوليو الماضي. ورغم أن ذلك قد يسهم في خفض الانبعاثات الأوروبية، إلا أنه لن يفيد الكوكب، إذ ستنتقل صناعة الصلب الأساسية إلى أماكن لا تعتبر إزالة الكربون أولوية بالنسبة لها، وهذا لا يمثل حلاً للمشكلة بالمرة. لا يجب أن يكون الوضع على هذه الحال. و
أنا على يقين بأن أوروبا تستطيع الحفاظ على صناعة صلب مبتكرة وقادرة على المنافسة، لكن عليها اتخاذ القرار: هل ترغب في إنتاج الحديد والصلب داخل القارة؟ أم أنها تفضل استيراده، مقروناً بمخاطر بصمة كربونية أكبر؟ هذا سؤال مصيري ويتطلب إجابة عاجلة.
وإذا كانت هناك نية صادقة لدعم الصناعة المحلية، فيجب العمل على تنسيق السياسات المختلفة لتوفير بيئة مواتية، تساعد صناعة الصلب الأوروبية على إزالة الكربون وتحقيق النمو. وغياب مثل هذه البيئة، كان الدافع وراء إعلاننا مؤخراً عن عجزنا، في الوقت الراهن، عن اتخاذ قرارات استثمارية حاسمة لتحويل أفران الصهر إلى تقنيات أكثر استدامة من حيث الانبعاثات الكربونية.
وهناك تحديات عدة، أولها يتمثل في الحاجة العاجلة للتعامل مع الواردات، إذ يجب اتخاذ إجراءات لحماية صناعة الصلب الأوروبية، على غرار ما يتم في الولايات المتحدة والبرازيل، حيث تُعد الصناعة عنصراً استراتيجياً.
وستكون التدابير التجارية الطارئة خطوة أولى قوية نحو معالجة هذه القضية. ثانياً، يجب التأكد من أن آلية تعديل حدود الكربون تحقق غايتها المنشودة. وفي هذا الشأن، يعتبر تقرير ماريو دراغي بشأن التنافسية الأوروبية وثيقة مهمة، حيث شدد على أن نجاح الآلية «محل شك»، وسلط الضوء على مجموعة من المخاطر التي يجب على الاتحاد الأوروبي إدارتها لضمان تحقيق الهدف.
وأبرز هذه المخاطر، هو منع واردات الصلب من الدول التي تلتف حول معايير حماية المناخ، عبر تصدير منتجات «نظيفة» إلى أوروبا، بينما تُبقي على منتجاتها ذات الانبعاثات المرتفعة لأسواقها المحلية أو الأسواق غير الأوروبية.
هذه القضية ليست بالبساطة التي قد تبدو عليها، فالأمر يتطلب معالجة سياسية، بقدر ما يحتاج إلى حلول تقنية. ومع القيادة الجديدة في بروكسل، وتطوير مبادرات مثل «الاتفاق الصناعي النظيف»، وخطة العمل للصلب والمعادن، فإن الوقت الحالي هو الأنسب للتحرك. والقرارات التي سيتم اتخاذها خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة، ستحدد شكل وحجم صناعة الصلب الأوروبية في المستقبل.
وأي تقاعس سيؤدي إلى استمرار التراجع في قطاع الحديد والصلب داخل أوروبا رسالتي بسيطة وواضحة: يجب ألا تتخلى أوروبا عن إرثها الصناعي لصالح مناطق أخرى تسعى للهيمنة على مستقبل النمو الصناعي.
وهناك استثمارات ضخمة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر، تنتظر فقط وضوحاً في السياسات لتنطلق. وإذا اتُخذت القرارات الصائبة، ستتمكن أوروبا من أن تكون في طليعة الابتكار التكنولوجي خلال الخمسين عاماً القادمة. لا تفوّتوا هذه الفرصة الثمينة.