لم تكن صناعة النفط والغاز الأمريكية يومًا بمعزل عن قرارات السياسة التجارية، لكنها تواجه -حاليًا- اختبارًا صعبًا مع فرض تعرفات جمركية جديدة على واردات الصلب.

فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب، وشمل القرار إلغاء الاستثناءات التي كانت تخفّف من وطأة رسوم الصلب السابقة، فضلًا عن زيادة التعرفة على واردات الألومنيوم من 10% إلى 25%، وتهدف هذه الخطوة إلى “تصحيح أوجه الاختلال التجارية طويلة الأمد”.

ورغم أن واشنطن ترفع راية “العدالة التجارية”، فإن قطاعات رئيسة، وعلى رأسها صناعة النفط والغاز الأمريكية ، تجد نفسها أمام تحدٍّ جديد يهدّد بارتفاع التكاليف.

ويرى تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة ، أن تعرفة الصلب الجديدة ستضيف ضغوطًا على القطاع، متوقعًا ارتفاع تكاليف الآبار.

يُشار إلى أن المصانع المحلية تلبي 74% من احتياجات الولايات المتحدة من الصلب، إلا أن العديد من الصناعات، مثل السيارات والبناء والطاقة، ما تزال بحاجة إلى استيراد أنواع معينة من الصلب، مثل الأنابيب والصمامات الفولاذية التي تتحمّل درجات حرارة وضغوط شديدة.

صناعة النفط والغاز الأمريكية تحت وطأة التعرفات
رغم فرض إدارة ترمب تعرفات جمركية على واردات الصلب بنسبة 25% في 2018، فإن صناعة النفط والغاز الأمريكية لم تتأثر؛ لأن صادرات بعض الدول من أنابيب النفط بأنواعها -أنابيب وصمامات مصنوعة من الصلب تُستعمل في أثناء الحفر- كانت معفاة من التعرفات الجمركية.

لكن التصريحات الأخيرة للرئيس ترمب تُظهر أنه سيكون من الصعب منح الإعفاءات مرة أخرى من هذه الرسوم التي ستدخل حيز التنفيذ في 12 مارس المقبل.

وبحسب التقرير الصادر عن شركة أبحاث الطاقة وود ماكنزي، تستورد الولايات المتحدة نحو 40-50% من أنابيب الحفر؛ لذا توقع ارتفاع الأسعار وسط تشديد الرسوم الجمركية وتقليص الإعفاءات.

وبالنظر إلى أن هذه الأنابيب تمثّل نحو 8.5% من تكاليف الحفر وتهيئة الآبار البرية في الولايات المتحدة، سيسفر ارتفاع الأسعار بنسبة 25% نتيجة الرسوم عن إضافة 2.1% إلى تكاليف الآبار، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وقبل إعلان هذه التعرفات، كانت توقعات وود ماكنزي تشير إلى استقرار التكاليف في عام 2025، مقارنة بمستوياتها في الربع الأخير من العام الماضي.

هل يتأثر إنتاج النفط والغاز؟
وفقًا لتقرير وود ماكنزي، سيكون تأثير الرسوم الجمركية في تكاليف أنابيب النفط بأنواعها محدودًا، مقارنة بالزيادات التي شهدتها بعد جائحة كورونا، إذ تضاعفت الأسعار -تقريبًا- بين أواخر 2020 وبداية 2023.

ومع ذلك، من المتوقع أن تزيد من الأعباء المالية على صناعة النفط والغاز الأمريكية ، في وقت كانت فيه الشركات تتطلع إلى زيادة إنتاجها بحذر.

ومع تصاعد هذه الضغوط، أكد معهد النفط الأمريكي أن سياسة ترمب التي تستهدف تعزيز إنتاج النفط والغاز تتطلّب استثناءات من التعرفات الجمركية على أنابيب النفط بأنواعها.

من جهة أخرى، قد لا يقتصر تأثير التعرفات الجمركية الجديدة على صناعة النفط والغاز الأمريكية فقط، وإنما من الممكن أن تمتد لتشمل أسعار الطاقة بكل أشكالها، سواء التقليدية أو المتجددة.

فالهياكل المستعملة في حمل الألواح الشمسية وأبراج توربينات الرياح تعتمد على الصلب والألومنيوم، ما يجعلها عرضة لارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى ذلك، سترتفع تكلفة خطوط نقل الكهرباء، بحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز.

كيف ستتأثر الصناعات الأخرى؟
قد تُسهم الرسوم الجمركية على واردات الصلب في زيادة الأسعار؛ ما يصب في صالح المنتجين المحليين ويعزّز فرص زيادة الوظائف في القطاع، الذي يضم -حاليًا- قرابة 140 ألف وظيفة، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

هذه الزيادة في الأسعار كانت واضحة عندما فرض الرئيس ترمب الرسوم على الصلب والألومنيوم في 2018، إذ ارتفعت أسعار المعدنَيْن بنسبة 2% تقريبًا، وتراجعت الواردات بنحو الربع.

ورغم هذه المكاسب فإنه سيكون على حساب خسائر كبيرة في الصناعات التي تعتمد على المعدنَيْن، مثل البناء والسيارات والتعبئة والتغليف والأجهزة والنفط والكهرباء، حيث تشكّل أسعار الصلب والألومنيوم جزءًا رئيسًا من تكاليف الإنتاج.

على سبيل المثال، يتطلّب تصنيع سيارة واحدة قرابة نصف طن من الصلب، ما يعني أن فرض رسوم بنسبة 25% يمكن أن يزيد تكاليف الإنتاج لكل مركبة بأكثر من 1000 دولار.