اقتصاد الخليج العربي والآسيان

العالم اليوم يشهد تغييرات اقتصادية جذرية على المستوى العالمي، حيث تتجدد مسارات التجارة والاستثمار بشكل متسارع. يلحظ في هذا السياق ظهور كيانات اقتصادية جديدة تعتمد على التعاون الإقليمي، حيث تضم منظمات إقليمية تعاونا وشراكات استراتيجية اقتصادية، واستثمارات إقليمية مشتركة. هذا التحول في التعاون الإقليمي يقلل من التفاوت ويعزز التنوع في عملية التكامل الاقتصادي، ما يسهم في تقليل الأعباء التي قد تكون ثقيلة على الدول في سعيها لتطوير صناعاتها. ويعد هذا التكامل حجر الزاوية لسلاسل القيمة العالمية المعروفة بـGlobal Value Chains، حيث يتم تجميع المنتجات من موردين متعددين في دول مختلفة ويتم بيعها في أسواق بعيدة ربما تكون خارج منظومة التعاون الإقليمي. هذا النموذج يمكن أن يحول دولا إلى مراكز للتصميم والهندسة وأخرى للتصنيع الجزئي أو ما يعرف بالمنتجات نصف المصنعة وكأن الدول تتعاقد مع بعضها البعض لتوصيل المنتجات إلى المستهلك النهائي حول العالم.

من الملحوظ أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تزداد في الدول المشاركة في تكتلات اقتصادية إقليمية على أساس تكاملي رأسي أو أفقي، مثل دول رابطة الآسيان وبنسب أكبر من الاقتصادات الفردية التي تعمل بشكل منفرد. يعود السبب الأساس لهذا الارتفاع إلى الثقة التي تنشأ نتيجة تكامل العلاقات التجارية والصناعية والسياسات الاقتصادية والتجارية والبشرية المتبادلة بين تلك الدول. وهذا التكامل يمنح المستثمرين ثقة أكبر في الاستقرار الاقتصادي، وهو أمر مهم في الدول الصغيرة فالاقتصادات الإقليمية المترابطة تلعب دورا مهما في تحليل تأثير السياسات والتنبؤ بالتوقعات الاقتصادية وذلك لتشابه الغايات الاقتصادية، وتعد هذه النماذج ضرورية لاستدامة النمو المشترك حتى في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بالعالم سواء في الدورات الاقتصادية الدورية أو الأزمات الاقتصادية الطارئة.

في هذا السياق، يعد اجتماع الكتلة الخليجية الممثلة في دول مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة الآسيان فرصة مواتية لاكتشاف فرص شراكة اقتصادية، حيث يتوافق نموذج القدرات الاقتصادية في دول الخليج المدعوم بتيار الإيرادات النفطية والغازية من العملات الصعبة وكذلك قوة القدرات والخبرات الاستثمارية الخليجية مع الإمكانات الاقتصادية والإنتاجية العالية في دول رابطة الآسيان. هذا التوافق يمكن أن يشكل مصدرا جديدا لاستقرار الاقتصاد العالمي وضمان استدامته وفي الوقت ذاته يقلل من تراجع متوسط معدل النمو العالمي الذي لا يزال يشهد تراجعات لم يوثق مثلها التاريخ الاقتصادي القريب، وهذا التعاون الاقتصادي يقدم نفسه كنموذج فعال وإنتاجي يلبي احتياجات الدول الشريكة وشعوبها سواء من ناحية توفير فرص العمل أو التنمية والاستثمار.

وفي النهاية، يمكن أن يسهم هذا النموذج في تعزيز استقرار العالم من خلال قوة تفاوضية وتنافسية تحافظ على الاقتصاد الإنتاجي في الشرق مقابل الاقتصاد المالي في الغرب وبذلك نحمي العالم من التحولات في النظم الاقتصادية بطرق حادة قد تؤدي لخسائر فادحة في مكاسب القرن وندبات دائمة.

المصدر جريدة الاقتصادية

Twitter
Facebook

المزيد

Ezz-780-1
kuwit-steel3
mih-1